الحفاوة بالضيف
وجاء شبَّان القرية بما وهبوا واكتسبوا من علم وفنّ ومعرفة، فكان بينهم القوّال والرقّاص والنافخ بالقصب. وجاءت البنات ذوات الجمال القرويّ الوديع، تساعدن ربّة البيت، فكانت إحداهنَّ تقدّم الشّراب، والأخرى قهوة، وتجيء الثالثة بالماء من العين إلى المطبخ، والرابعة تهيّء الأراجيل، وكلّهن يعملن فرِحات جذلات، كأنّهنّ في عرسِ أخٍ لهنَّ. هي المروءَة يتغذّى القرويّ والقرويَّة صغيرين بلبنها.
وكنَّا كأنّنا في عرس؛ وعندما جلسنا إلى المائدة شاء ربّ البيت أن يكون العشاء مصحوبًا بشيءٍ من الغناء والموسيقى، فأرسلت شقيقته صوتها الشَّجيِّ ببيتٍ من العتابا، ونفخ القصَّاب بقصبه مرافقًا لها، وكان أحد الشّبَّان يباريها، فيبدأ حيثما تقف، دون أن يبعد عن النغم والمعنى.
وفي تلك اللّيلة أيضًا عقدت سلسلة "الدبكة" من الشّبّان والبنات، وكانت على رأسها ربَّة البيت وهي تلوّح بالمنديل. فنفخ القصّاب بقصبه، وصفّق أحد إخوانه بيديه هاتفًا، داعيًا الحضور إلى التّصفيق؛ فلعب الطَّرب في النّفوس وخفَّت الأيدي والرّؤوس؛ فكنّا كلّنا مشوّقين بالنَّغم الوحيد والنظم الفريد، نغَم القصب العميق ونظم الأرجل الرَّشيق، وكان القصّاب وهو في وسط السلسلة المستديرة الّتي تكاد تصير حلقة، يحنو رأسه حينًا وحينًا يرفعه فيذوب هيامًا ويزيد بنار "الدّبكة" ضرامًا.
أمين الريحاني
قلب لبنان صفحة 178